– 2 –
الإمام ناصر محمد اليماني
29 – 08 – 1431 هـ
10 – 08 – 2010 مـ
01:52 صباحاً
ــــــــــــــــــــــ
سؤال الإمام المهديّ إلى أمير النور ..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على كافة الرُّسل من ربّ العالمين من أوّلهم إلى خاتمهم وآلهم الطيّبين أجمعين ولا أُفرّقُ بين أحدٍ من رُسله وأنا من المسلمين، السلام عليكم أحبّتي الأنصار جميعاً ورحمة الله وبركاته السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين..
وأما السؤال الذي يوجهه المهديّ المنتظَر ناصر محمد اليماني إلى (أمير النّور) أحد الأنصار الذي أرجو من الله أن يطهِّر قلبَه تطهيراً، والسؤال هو: فهل لو أنَّ الله يؤتيك ملكوت الدنيا والآخرة ويجعلك أحبّ عبدٍ وأقرب عبدٍ إليه سبحانه ويؤتيك الدرجة العاليّة الرفيعة في جنّة النّعيم فهل سوف ترضى فتصبح فرحاً مسروراً؟ فإذا كان الجواب منك: “اللهم نعم” فتقول: “وكيف لا أكون فرحاً مسروراً لو آتاني ربّي ملكوت الدنيا والآخرة وجعلني أحبّ عبدٍ وأقرب عبدٍ إليه وآتاني الدرجة العالية الرفيعة في الجنّة! فماذا أبغي بعد ذلك؟”. ومن ثمّ يردّ عليك الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني وأقول: أما أنا فالحقّ أقول وأقسم بالله العظيم ربّ السّماوات والأرض وما بينهما وربّ العرش العظيم أنّ ربّي لا يرضيني بذلك كله ما لم يتحقّق لعبده النّعيم الأعظم من ذلك كلّه فيرضى، وذلك لأنّ رضوان الله في نفسه بالنسبة لي غايةٌ أُناضل من أجل تحقيقها وليست وسيلةً من أجل تحقيق المُلك والملكوت وجنّة النّعيم؛ بل رضوان الله في نفسه بالنسبة لي غاية ومن أجل ذلك أعيش، وذلك هو سرّ الإمام المهديّ الذي تجهلون قدره ولا تحيطون بسرّه.
فتعال يا أمير النّور لنتدبّر سويّاً قول الله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴿٢٠﴾ اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴿٢١﴾ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٢٢﴾ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ ﴿٢٣﴾ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٢٤﴾ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴿٢٥﴾ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴿٢٦﴾ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴿٢٧﴾} صدق الله العظيم [يس].
فقد وجدنا يا أمير النّور أنّ الرجل الذي غايته الشهادة في سبيل الله قد بلّغه الله ما يريد فقتله قومه ومن ثمّ أدخله الله جنّته، فتجده فرحاً مسروراً، وقال الله تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴿٢٦﴾ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴿٢٧﴾} صدق الله العظيم، ومثله كمثل الذين يبتغون الشهادة في سبيل الله، فكتب الله لهم الشهادة فأدخلهم جنّته، فتجدهم فرحين مسرورين بما آتاهم الله من فضله. وقال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴿١٦٩﴾ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿١٧٠﴾ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٧١﴾} صدق الله العظيم [آل عمران]. فهل تدري ما سبب فرحهم؟ وذلك لأنّه قد تحقّق الهدف بالنسبة لهم وهي الجنّة التي عرّفها الله لهم، وبعد أن تحقّق الهدف الذي يرجون ولذلك تجدهم: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ} صدق الله العظيم.
ويا أمير النّور استجمع قواك الفكريّة بتركيزٍ شديد الفهم والتدبّر والتفكّر في كلام الله فيما يلي: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ﴿١٣﴾ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ﴿١٤﴾ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ﴿١٥﴾ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴿١٦﴾ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿١٧﴾ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٨﴾ قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ۚ أَئِن ذُكِّرْتُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴿١٩﴾ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴿٢٠﴾ اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴿٢١﴾ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٢٢﴾ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ ﴿٢٣﴾ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٢٤﴾ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴿٢٥﴾ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴿٢٦﴾ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴿٢٧﴾ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴿٢٨﴾ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [يس].
ومن بعد التدبّر والتفكّر تجد أنّ الرجل تحقّقت الفرحة لديه بدخوله الجنّة، فتجده فرحاً مسروراً ولكن في نفس اللحظة لا تجد اللهَ أرحمَ الراحمين فرحاً مسروراً فتدبّر وتفكّر: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴿٢٦﴾ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴿٢٧﴾ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴿٢٨﴾ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم.
فأمّا الرجل فتجده فرحاً مسروراً وفخوراً. وقال الله تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴿٢٦﴾ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴿٢٧﴾} صدق الله العظيم، وأمّا الله أرحم الراحمين فتجده حزيناً مُتحسراً يقول في نفسه: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم.
فتدبّر مرةً أخرى إلى الرجل الذي نال الشهادة فدخل الجنّة فور قتله وفي نفس اللحظة انظر إلى ما في نفس الله، فهل تجده كذلك فرحاً مسروراً؟ وقال الله تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴿٢٦﴾ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴿٢٧﴾ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴿٢٨﴾ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم.
إذاً بالله عليك؛ بل استحلفك بالله يا أمير النّور لو يُميتُك الله فيدخلك جنّة النّعيم فهل سوف تكون فرحاً مسروراً بعد أن علمت بما في نفس ربّك الله أرحم الراحمين؟ فهل سوف تستمتع بالنّعيم والحور العين والفواكه والأعناب وغير ذلك من النّعيم العظيم وأنت تعلم أنّ حبيبك الرحمن متحسّرٌ وحزينٌ ويقول في نفسه عند هلاك كُلّ أمّة من عباده من الجنّ والإنس يقول: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم؟ فإن قلت يا أمير النّور: “بلى إنّي سوف أكون فرحاً مسروراً بجنّة النّعيم، وما لي ولربّ العالمين أن يكون فرحاً مسروراً أم متحسّراً وحزيناً فأهم شيء لديّ هو تحقيق هدفي أنّه رضي عنّي فأدخلني جنّته، وما لي ولرضوان الله في نفسه فأهمّ شيء نفسي نفسي وأبتغي رضوان الله عليّ لكي ينقذني من ناره ويدخلني جنّته”. ومن ثمّ يردّ عليك عبد النّعيم الأعظم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني وأقول: لك ذلك، فإنّ الله لا يخلف الميعاد فأصدِق الله يصدقك، وأما الإمام المهديّ فيقول:
أقسمُ بالله العظيم الذي يحيي العظام وهي رميم ربّ السّماوات والأرض وما بينهما وربّ العرش العظيم لا يرضيني ربّي بما تملكه يمينه في الدُّنيا والآخرة ما لم يحقّق لي النّعيم الأعظم من ملكوته أجمعين فيرضى في نفسه، والله على ما أقول شهيدٌ ووكيلٌ.
ويدرك حقيقة قولي الذين علموا علم اليقين حقيقة اسم الله الأعظم فأصبحوا لا يتّخذونه وسيلةً لتحقيق الجنّة ولن يرضوا بها حتى يحقّق الله لهم النّعيم الأعظم منها وهو رضوان الله في نفسه فأصبح غايتهم ومنتهى أملهم، أولئك همُ القوم الذين وعد الله عبده بهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٥٤﴾} صدق الله العظيم [المائدة]، ولم يتّخذوا رضوان الله وسيلةً؛ بل غاية.
ولربّما يودّ أن يقاطعني أخي الكريم أبو النّور ويقول: “ويا أخي فمن تكون حتى لا ترضى إلا أن يرضى الله في نفسه!”. ثمّ يردّ عليك الإمام المهديّ وأقول: لقد كتب الله على نفسه للذين رضي الله عنهم أن يرضيهم، تصديقاً لقول الله تعالى: {رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} صدق الله العظيم [البينة:8].
فمنهم مَن يرضى أن يكون من أصحاب اليمين وذلك مبلغهم من العلم، ومنهم مَن لن يرضى حتى يكون من المُقرّبين وذلك مبلغهم من العلم، وليس للإنسان إلا ما سعى، والهدف يُرسم من هنا يا أمير النّور من هذه الحياة، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ﴿٣٩﴾ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ﴿٤٠﴾ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ ﴿٤١﴾ وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ ﴿٤٢﴾} صدق الله العظيم [النجم].
وإنّما في الآخرة الجزاء، ومنهم مَن لن يرضى حتى يكون مِن أصحاب الدرجات العُلى في حُبّ الله وقربه وذلك مبلغهم من العلم، ومنهم مَن لم يرضى حتى يرضى الله في نفسه ولذلك خلقهم، ولكن كيف يكون الله راضياً في نفسه؟ فلا بُدّ أن يُدخل عباده في رحمته لكي يتحقّق الرضوان في نفس الرحمن، فلا بُدّ أن يُدخِل عبادَه في رحمته لكي يحقّق نعيم قوم من عباده عبدوا ربّهم كما ينبغي أن يُعبَدَ؛ وهم عبيد النّعيم الأعظم فلن يرضوا إلا بتحقيق النّعيم الأعظم في قلوبهم ومعتقدهم بقناعة تامةٍ تامة تامة لا يفتنهم عن ذلك النّعيم الأعظم في نظرهم أيّ ملكٍ وملكوتٍ مهما كان ومهما يكون، فأصدَقوا الله فأصدَقَهم. فكيف يظلمهم ولا يُحقّق لهم النّعيم الأعظم؟ سبحانه ولا يظلمُ ربّك أحداً! تصديقاً لقول الله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} صدق الله العظيم [سبأ:23].
وذلك لأنّهم يعلمون أنّ الله لن يظلمهم في عدم تحقيق نعيمهم الأعظم، ولذلك أجابوا الأمم الذين تفاجَأوا بما سمعوا ممّن له الشفاعة جميعاً – الله ربّ العالمين – من ربّهم مباشرةً فتفاجَأت الأمم فقالوا لعبيد النّعيم الأعظم: {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} صدق الله العظيم.
وتالله كأنّي أراهم يبكون الآن ويعلم بهم ربّهم حبيبهم الرحمن الرحيم برغم كثرة ذنوبهم في الماضي السّحيق، ولكنّهم من أحباب الله قوم يحبّهم ويحبّونه فأدركوا مدى رحمة ربّهم وأدركوا كم مدى تحسّره على عباده لكونه أرحم الراحمين، ومدى تحسّره على عبده لهو أعظمُ من تحسّر الأمّ على ولدها لو يلقى به في نار جهنّم حتى ولو عصاها الدهر كله، فتصوّر كم مدى حسرتها على ولدها حين رأته يصرخ في نار الحريق! فما بالك بحسرة من هو أرحم منها يا أمير النّور؟ فانضمّ معنا لتحقيق النّعيم الأعظم إن كنت تحبّ الله بالحُبّ الأعظم من حبّك لكل شيء، وعليك أن تعلم أنّ الله لن يكون راضياً في نفسه حتى يُدخل عباده في رحمته، فهيّا بنا نبدأ بتحقيق هذا الهدف العظيم بادئين بإنقاذ أمّتنا التي نحيا فيها حتى نجعلهم أمّةً واحدةً على صراطٍ مستقيمٍ، فنصبر على أذاهم مهما كان ومهما يكون فلا ندعو عليهم لأنّنا لو دعونا عليهم فنُعتبر قد فشلنا في تحقيق هذا الهدف العظيم، لأنّنا لو ندعو عليهم فحتماً سوف يجيبنا الله فيهلكهم فيورثنا الأرض من بعدهم تصديقاً لوعده الحقّ، ولكن يا أمير النّور فما الفائدة لو يجيب الله دعوتنا عليهم فيقول: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [يس].
إذاً لو فعلنا فقد فشلنا في تحقيق الهدف فبدل أن نجلب السّعادة في نفس الله والفرحة بتوبة عباده جلبنا الحزن والحسرة لو يهلكهم الله بسبب دعائنا عليهم: {إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [يس].
وعليه فإنّي أشهدُ الله والأنصار السّابقين الأخيار عبيد النّعيم الأعظم أنّي مُتنازلٌ عن إجابة دعائي على عبيد الله جميعاً لأنّي لربّما ينفدُ صبري فأدعو عليهم، ولذلك رجوت من ربّي أن لا يجيب دعوتي عليهم؛ بل يجيب دعائي لهم بالنجاة والهدى إلى الصراط المستقيم خصوصاً الذين لو علموا بالحقّ لاتّبعوه، وذلك لكي يتحقّق هدفي الذي أعيش من أجله يا أمير النّور، فكن من الشاكرين أن قدّر الله وجودك في جيل الإمام المهديّ المنتظَر الحقّ من ربّك، وكن من الشاكرين أن قدّر الله لك العثور على دعوة المهديّ المنتظر في عصر الحوار من قبل الظهور، وطهّر الله قلبك حبيبي في الله تطهيراً كوني أراك مُقتنعاً في أشياء وأخرى لم تقتنع بها بعد فتصمت، وأرى خطاباتك ثمّ أعلم أنّه توجد هُناك أشياء لم يطمئن لها قلبك بعد وتكاد أن تُبديها لنا أحياناً وتخفيها تارةً أُخرى، ولا ألوم عليك ولكنّ اللوم أن تكتمها في نفسك، فلربّما لو تبديها تجد لدينا بإذن الله ما يُزيل الشكّ باليقين.
وسلامٌ على المرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين ..
أخوكم عبد النّعيم الأعظم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني .
___________________