– 3 –
الإمام ناصر محمد اليماني
21 – 08 – 1428 هـ
03 – 09 – 2007 مـ
04:21 صباحاً
ـــــــــــــــــــــ
المزيد من التفصيل لأبي النّور وغيره من المسلمين ..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمدٍ رسول الله وجميع الأنبياء والمرسَلين من قبله وآلهم وأتباعهم في الأوّلين وفي الآخرين ثم، أمّا بعد..
يا أبا النّور، نوّر الله دربك وشرح صدرك وعظّم قدرك وأقام لك يوم القيامة وزناً، وأفتيك في كلمة المحصنات وأنت تعلم من قبل أن أفتيك بأنّها تخصّ المتزوجة وكذلك تخصّ العفيفة الشريفة الطاهرة التي أحصنت فرجها كما أمر الله ورسوله لمن أراد الزواج أن يظفر بذات الدين ترِبت يداه، وهُنّ اللاتي يحصن فروجهن من الزنى.
ولي سؤال عليك الإجابة عليه: هل تجد في القرآن بأنّ على العفيفة حدّ أنزله الله بسبب عفتها؟ وأعلم جوابك بأنّك ستقول: “حاشا لله”، ومن ثم أقول لك: فهل قال الله العفيفة والعفيف فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدة؟ سبحانه! بل قال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٢﴾} [النور]، إذاً كيف يحصر علماء الدين قوله تعالى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:25]؟ فهل تجدون على التي أحصنت فرجها حدّاً في القرآن؟ فهل هذا جزاؤها لأنّها أحصنت فرجها ولذلك تجلدون الأَمَة الزانيّة المُحصنة بالزواج بنصف ما على العفيفة؟ فأين حدّ العفيفة يا مسلمين حتى تجلدون الأَمَة بنصف ما عليها من العذاب؟ فإذا زنت فقد انتفت تلك الصفة ولا يُطلق عليها المُحصنة لأنّها لم تُحصن فرجها بل يُطلق عليها الزانيّة، إذاً يا قوم إنّما يقصد الله من قوله: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} أي المُتزوجات، وإنمّا جاءت هذه الآية لكي تبيّن لكم قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّـهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٨﴾} [النور].
فتُبيِّن الآيةُ أنّ العذاب هو المائة الجلدة، وتُجلد الأَمَة المحصنة بالنصف من ذلك، إذاً كيف يُنصّف الرجم يا قوم؟ وإن قلتم إنمّا يقصد نصف ما على المحصنات غير المتزوجات. فنقول: ولكن أبا النّور صادق في تأويله بأنّ لفظ المُحصنة يُطلق على المتزوجة وعلى التي أحصنت فرجها فكيف تجعلون لها حدّاً بأن تُجلد الأَمَة بنصف ما على العفيفة؟ وأكرر فأقول: فهل هذا جزاء عفتها أن تجعلون لها حدّاً وبعد أن تزني المرأة فلا يطلق عليها هذه الصفة الحميدة؟ فتدبّروا الآية جيداً يا معشر علماء الأُمَّة: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}، فانظروا ما يقول: {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} أي: المتزوّجات الزانيات. فهل أنتم مُنتهون فتحكمون بما أنزل الله؟ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون الفاسقون الكافرون.
ويا أبا النّور نوّر الله قلبك، فأمّا بالنسبة لقولك ما علاقة الزنى بقول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٣٣﴾ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣٤﴾} صدق الله العظيم [المائدة].
وكان تعليق أبا النّور بقوله: ما علاقة ذلك بالزنى والآية لم تذكره؟ فنقول:
يا أبا النّور، إنّما أستنبط لكم من هذه الآية حُكماً شاملاً في حدود الله بأنّ الذين يتوبون من قبل أن تقدروا عليهم ولم تكن عليهم شبهةٌ ولا تهمةٌ ولا مطاردةٌ عبر الإنتربول الدولي أو غير ذلك بل إنّه قد تاب إلى الله متاباً من قبل أن تقدروا عليهم.
ولربّما يفهم فتوانا آخرون على نحو خطأً فيقولون: “بأنّ المُطارَد إذا اشتدّ عليه الخوف فعليه أن يأتي للجهات المُختصّة ليعترف لهم فيرفع عنه الحدّ نظراً لفتوى الإمام ناصر اليماني”. فنقول: هيهات هيهات… بل يُقام الحدّ عليه فوراً، وإنمّا يقصد الله {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} وهم الذين تابوا إلى الله متاباً ولم تعلم الجهات المُختصة أيّ شبهة ضدهم؛ بل تفاجأوا بالأمر من لسان الجاني.
فهنا برهان التوبة الحقّ، ويُرفع عنه الحدّ سواء حدّ قتل أو حدّ سرقة أو حدّ زنى أو أي حدّ من حدود الله، غير أنّه لا يُرفع عنه حقّ البشر المادي فعليه إن كان قاتلاً أن يُسلّم الدِيَة إلى أولياء المقتول، وليست دِيَة الخطأ بل ديّة القتل عمداً، وإن كانت سرقة فليعِد المسروقَ إلى أهله، وذلك برهان التوبة على الواقع لو كنتم تعلمون.
وكانت حجتك علينا يا أبا النّور أنّ الزنى لم تتطرّق إليه هذه الآية. فنقول: إنمّا أستنبط لكم حكم الذين يتوبون من قبل أن تقدروا عليهم بأن لا تقيموا عليهم حدود الله بعد أن غفر الله لهم وتقبّل توبتهم، كمثل المرأة التي يقولون: [بأنّها تابت بين يدي رسول الله، ثم قال لها: اذهبي وضعي حملك ثم عودي. فعادت بعد وضع حملها. ومن ثم قال: اذهبي فأرضعيه حولين كاملين فأرضعته حولين كاملين ثم عادت بين يدي رسول كما يقولون وفي يده كسرة خُبز، ومن ثم أخذ طفلَها من يدها ودفعه إلى أحدِّ الصحابة ومن ثم قام برجمها هو وصحابتُه]! وقاتل الله المُفترين على محمد رسول الله وصحابته الأبرار الذين معه قلباً وقالباً، فكيف يرجمون هذه المرأة ويخالفون أمر ربّهم؟ إذ أنّه قد عفى عمّن تاب من قبل أن تقدروا عليه وعلّمه بأن له ربّاً غفوراً رحيماً لمن تاب وأناب وليس خوفاً من الحدّ وعقاب البشر بل خوفاً من الله الواحدّ القهّار.
وإنّ هذه الآية من المُحكمات الواضحات البيّنات بأنّ الله قد رفع الحدّ عمّن تاب من قبل أن تقدروا عليه، وعلى المسلمين أن لا يقيموا الحدّ عليه من بعد الغفران وتقديم البرهان بالتوبة إلى الرحمن من قبل أن يقدر عليه أخيه الإنسان، فتدبّروا القرآن حُجّتي عليكم والسلطان لأهل الإيمان كيف تحوّل غضب الرحمن بسبب التوبة برغم شدّة غضبه الذي ترونه من خلال الآية قبل ذكر التوبة حتى إذا جاء ذكر التوبة فإذا الأمر تحوّل إلى رحمةٍ وعفو وغفران، فتدبّروا: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٣٣﴾ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣٤﴾} صدق الله العظيم [المائدة].
فإن لم تُصدّقني يا أبا النّور فأتِ بسلطانٍ من القرآن لإثبات حدّ الرجم، وإنّك لن تستطيع ولا جميع علماء الأُمَّة فليس للباطل برهانٌ في القرآن وما خالف القرآن فهو من عند غير الله؛ من شياطين الجنّ والإنس لو كنتم تعلمون، فاحكموا بما أنزل الله لعلكم تفلحون يا معشر المسلمين، واتّبعوني أهدِكم صراطاً مستقيماً.
وأظنّ الشمس سوف تدرك القمر في رمضان الآتي إذا شاء الله فتصومون قبل يوم الخميس لعلكم تعقلون بأنّه حقا أدركت الشمس القمر وأنتم عن الحقّ معرضون، وسلامٌ على أبي النّور، وسلامٌ على جميع المسلمين، والسلام علينا وعلى جميع عباد الله الصالحين، وسلامٌ على المرسَلين والحمد للهِ ربِّ العالمين..
أخوكم الإمام ناصر محمد اليماني .
____________